تنهدات ساري
من مأساة الشاعر البدوي "عبد الله الفاضل" والمعروف بـ"ساري" و الذي عرفناه من خلال عتابته الشهيرة :
هلكْ شالوا علامكْ حول يا شيرْ
وخلــولك عظامَ الحيل يا شيرْ
يلو تبجي بكل الدمعْ يا شـيــــرْ
هلكْ شالوا على حمصْ وحماه
استوحيتْ هذه الأبيات لتكون مدخلاً لقصيدتي هذه في ظل "الاحتلال المرير" مستحضرآ قول الجواهري:
تصوّر الأمر معكوسآ وخذ مثلاً
ممـــــــا يجرونه لو انهم نصـــــروا
تالله لاقتيد (زيد) باسم (زائـدة)
ولاصطلى (عامر) والمبتغى (عمـر’)
القصــــيدة :
خلا المضيفُ ففاض الحزنُ يا (شيرُ)
فمنْ لدمعـكَ إذ ْ تقســـــو المقاديرُ ؟
بلى سقتنا الليالي صـابها سهــــراً
واستمطر الجرحَ في الأعماقِ تفكيرُ
بلى صحونا على حُلم ٍ يمزقنـــــــا
كما صحا في سكون الليلِ مصــدورُ
لم يبقَ للشعرِ غيرُ الآه تسكــــــرهُ
من بعدِ ما احتضرتْ فيه الأساريـــرُ
ترنو الشفاهُ إلى الفنجانِ ظامئــة ً
وليـسَ للـدلةِ المعطــــارِ تفويـــــــرُ
**************
(يابن الفراتين) لو تدري بما فعلتْ
بنا الليالي ، وما خطـّتْ دياجيـــرُ
عُدنـا حيارى فلا نجـمٌ نعاتبــــــــهُ
ولا بآفاقنـا عنـّــت عصـــافيــــــرُ
شوقاً ننوحُ على أطلالِ راحلــــــةِ
كما تنوحُ على الذكرى نواعيـــــرُ
فاللهَ اللهَ من هَـــمٍّ نكابــــــــــــــدُهُ
وما ستكتـبهُ عنـّــا الأساطـيـــــــر ُ
فكـم "عرائشنا" ضمّتْ "ثعالبها"
حتى بشمّنَ وما تدري "النواطيرُ"
**************
فيا أخا الجرحِ آمالُ الورى قـــــــدرٌ
جُنَّ "المعري" بها واحتارَ "طاغورُ"
لا تعجبنَّ لـدهرٍ ســادَ جاهــلـْـــــــهُ
ففي زمانِ العمى تستخلفُ العـــــــورُ
فتلك دنيا عشقــناهــــــــا على كــدر ٍ
كما تعشّـــــقَ مـــرَّ الخمرِ سكيـــــــرُ
كم أينعتْ غصصاً في صدرِ"معتصمٍ"
وتــاهَ من كِـبر ٍ فيهــنَّ " كافـورُ "
وكم تفيءَ ظلَ القيــــــدِ " معتمــدُ "
و( آلُ عبـادَ ) تـُــسبيها القواريرُ !
**************
كانت بقية ُ قرآن ٍ تُسامرُنــــــــــا
واليوم قرآننا في الرف مهجــــــورُ
عفناه والكفرُ تدمينا أظافــــــــــره
وفي حناياهُ يغفو الصحو والنـــــورُ
في (المكتين ِ) ولا ذكرى لمدكّـــر ٍ
وقد تململ حتى القبرُ والســــــــــورُ
وفي (الكنانةِ) سال (النيل) مغترباً
أذ عافه الصفو واغتالته (مائيـــــــرُ)
كلُ الموانيء قد سدت نوافذهــــــا
في وجه (بغدادَ) أذ قالت لهم : ثوروا
وعلـّّموا الليلَ أنَّ الفجرَ آخـــــــرهُ
وألهموا الأرض ما تهوى الأزاهيــــرُ
**************
مرت على ألأرض أحزانُ وأفجعها
أن يستظل حمى "بغداد" مأجـــورٌ
وأن تنوء ظمـــاءً عن مواردهـــا
وتصطلي في الضحى حتى العصافيرٌ
يا حزنها والدجى يغتالُ أنجمهــــا
والليلُ جثمانهُ كالهول ِ منشــــــورُ
يستيقظ الدربُ مذعورآ لصرختها
ويستفـــزُ الســرى لو مــرَّ طابـــورُ
**************
"يابن الفراتين" ميلادآ وقافيــةً
في ذمة الشعر هاتيك المزاميــــرُ
انبيك والجمرُ وقادٌ على رئتـــي
ما خفت كان ولم تجدِ التحاذيـــــرُ
هم زوقوا الأمر أسماءً وأمثلــة ً
كما يزوقُ وجـه القبر ميســــــورُ
فالفجرُ من دمنا المسفوح مولـدهُ
والموتُ في قبضة السجان تحريرُ !
حتى الظلامُ ضياءً في نواظرهــم
كــأنما عميـــت تلك النواظـــــيـــرُ
**************
هذي "العناوين" أعلامٌ مزيفـة ً
وكــلُّ ألوانها كـــذبٌ وتــزويـــــرُ
مهما تردت ستبقى نصفَ عاريةٍ
لا السرُ خافٍ ولا المستور مستورُ
فكلهم في هوى "ليلاه" منـشغلٌ
وكلهم بانتظـــار الوعد مغــــــرورُ
ساروا مع الذئبِ تحميهم أظافرهُ
كما تحامت لدى جزارها العِــــيــرُ
وما دروا أنَّ صمت الريح في بلدٍ
مهمـــا تمادى ستتلوه الأعاصيــرُ
ويفتـــح الغضبُ الجبــار أروقــة ً
ليشهد الشعبَ ما ضمـــت مقاصيـر
**************
يا سيدَ الكبرِ نيرانٌ على شـفتـــــي
لمن نغني وعند الباب "مســرور "
دار الأمارةِ تبكي من توجعهــــــا
كيف استباح ذراهـــا اليومَ مأمـــورُ
كيف استفزَّ سماها ألف مختتــــــل ٍ
وفي مرابعها تـُستـخـــــــلفُ العــورُ
صالت عليها الأفاعي بعد رقدتهـــا
واستنسرت في الدجى حتى الزرازيرُ
خلا المضيف فلا ترنُ لدلـــتـــــــــهِ
فــلم تعد نارهُ سهرى ولا النــــــــورُ
عدنا نسامرُ أخشاباً مســـنــــــــــدة ً
سراً يحركها "كسرى"و"شاميـرُ"
فلا على(القدس) في عليائهِ "عمرٌ"
ولا على الساح يوم الثأر "منصورُ"
من قلةِ الخيل ِ قد شـــدوا بلا خجـل ٍ
عـلى الكلاب سروجـا ً فأبكِ يا شـيـــرُ
**************
"مسرور" سياف الرشيد كما في قصص ألف ليلى وليلى